Powered By Blogger

27‏/8‏/2012

بالهاشمي الشمالي




أحمد الزعتري يكتب Ahmad Zatari :

بمدرسة المعتصم بالهاشمي الشمالي بالتسعينيات ذهبت لأشرب ماءً من الحنفيات الموازية للحمّامات.
الحمامات كانت مدعرة. حيث كنت أسمع بشكل مستمر صراخ طلاب يغتصبون، وأرى من الباب الذي لم أكن أدخله طلاب يخرجون منه وهم ملطخون بخرائهم وبولهم.

بعدما انتظرت دوري على الحنفيات، وبدأت بالشرب، جاء طالب آخر ليتجاوز الدور ويزيحني عن الحنفية.
شعرت بالحنق لأنني انتظرت طويلاً، والحصة كانت على وشك البدء. فأمسكت به بكل قوتي ورميته على الأرض وبدأت أضرب به. إلى أن جاء صديقي وأبعدني عنه وصرخ بي: "انت حمار؟ بتعرف مين هاد؟ هاني الطريش. انت ميت اليوم".

كنا نبلغ 12-14 عاماً. وكان هاني الطريش معروف أصلاً بالشرب وتعاطي المخدرات والبلطجة. وكان تناقل مروره على حارة كفيل بإخلائها.

عندما قام هاني الطريش عن الأرض لينفض الغبار عن ملابسه كنت على وشك أن أتبوّل على نفسي.
كان يمتلك وجهاً مرعباً ممتلئاً بالبثور كما كان ممتلئاً بضربات الشفرات والأمواس.
اقترب مني وهو يبتسم وسألني: "شو اسمك؟". قلت له وأنا أرتجف: "أحمد الزعتري". ثم وضع يده على كتفي، وجبينه على جبيني وقال: "أحمد الزعتري، إنت جدع ورح أسامحك. من يوم وطالع إذا بدك شي ناديني".
طيلة الأيام الباقية بالمدرسة كنت أشعر بالامتياز والأمان. كنت أشعر بالخوف دائماً على أخي الذي التحق للتو بالمدرسة. وكان هاني الطريش دائماً على بعد نداء واحد ليأتي ويعنف كل من يحاول أن يعتدي علينا ويأذينا.
انتقلت إلى مدرسة أخرى لم يكن موجوداً بها. لكنني كنت أصادفه كثيراً وأنا أتمشى في الهاشمي الشمالي، أو أركض أحياناً هرباً من شوارع موبوءة وحتى محظورة.
لكن بمجرد أن أصادفه كان يأتي ليتحدّث معي عن آخر نادٍ ليلي ذهب إليه، وآخر صديقة هجرته، وآخر صديق تعرّف إليه.

في إحدى المرات، كان يمشي إلى جانب شخص بعمرنا تقريباً، لكنه كان يبدو أكبر بكثير بقصة شعره وامتلاء جسمه وابتسامته الساخرة.
عرفني هاني آنذاك على زياد الراعي. وكانا معاً أمينين في عهدهما بحمايتي.
انتقلت إلى مدرسة قتيبة بن مسلم. هناك حيث شهدت طالباً يقتل أمامي لأنه رفض طلب أشهر بلطجية المدرسة بممارسة الجنس معه.

وهناك، حيث كانت الحمّامات وكراً لتعاطي المخدرات والحكول والجنس.
لكنني كنت دوماً ألجأ دائماً لهاني الطريش وزياد الراعي في وجه المدرسين المتحرشين، والمدير المضطهد، وفارضي خاوات المصروف اليومي.

كنت مستعداً لأن ألجأ إليهما بدلاً من اللجوء إلى أبي، أو الشرطة أو المرشد التربوي.
في أوقات متفاوتة، كنت أسمع عن توبتهما المقرونة دائماً بالصلاة. ودفاعهما عن الجبناء والمغتصبين وأولاد الأهالي الجبناء. ولاحقاً، دفاعهما عن اضطهاد مدير مخفر الهاشمي، وفارضي الخاوات على المحلات، والمتحرشين بالـ"نور"، وبائعي العربات الذين كانوا يتحرشون بأطفال إسكان الهاشمي.

انتقلت من الهاشمي، ولم أعد أسمع عنهما حتى الأمس عندما قتل الاثنان.
ثمة بالتأكيد ضحايا للاثنين، وثمة من ارتعب وضرب على يديهما.
كانا أزعرين بالتأكيد. لكن مجرّد وجودهما، بالنسبة لي على الأقل، في ذلك الجهنم، كان كفيلاً بتأميني من كل هذه القسوة.

كانا ملجئي في مواجهة قطّاع الطرق في شوارع بعينها، والمدرسّين الذين شوّهوا شخصياتنا إلى الأبد، ومخفر الهاشمي بكل تسلّطه ورعبه.
اليوم فقط أدركت حنقي على عمّان.

وحنقي على كل من شوّهنا، وتركنا نستكشف هوياتنا في خراء المتثاقفين والفنانين والكتاب المنفصلين عما يجري فعلاً.

أدرك اليوم فعلاً أنني ممتن لهاني الطريش وزياد الراعي على ما أنا عليه الآن. 



بالطبع لم يكن أبدا هاني الطريش أو زياد الراعي هم مصدر إهتمامي في هذه المقالة و إنما فكرة لجوء شاب مراهق إلى شخص سيء صاحب أسبقيات لحل مشاكله بدلا من أهله أو معلمه أو حتى شرطي الأمن لأن ذلك أسرع و أضمن و لضعف ثقة ذلك الشاب و إنعدام الحوار بينه و بين الباقين ، كذلك معرفتي بأن كل تلك المشاكل من جنس مخدرات خاوات  إساءة المعلمين للطلاب  و التنمر لم تتوقف إلى الأن حتى مع إزدياد حملات التوعية و الجمعيات المختصة لا بل عكس كل تلك المشاكل و غيرها في إزدياد.. ما الحل؟ فعلا لا أعلم لكن كبداية يجب إعادة هيكلة المدارس و مراكز الإصلاح، و إعطاء فرصة أكبر المراهقين من تلك المناطق!!