Powered By Blogger

30‏/9‏/2012

إلى روح محمد الدرة



شعر: محمود درويش.

محمَّـد
مُحمَّدْ،
يُعَشِّشُ في حِضنِ والدهِ طائراً خائفاً
مِنْ جحيمِ السماءِ: احمني يا أبي
مِنْ الطَيرانِ إلى فوق! إنَّ جناحي
صغيرٌ على الريحِ... والضوءُ أسْوَدْ

* *
مُحمَّدْ،
يريدُ الرجوعَ إلى البيتِ، مِنْ
دونِ دَرَّاجة... أو قميصٍ جديدْ
يريدُ الذهابَ إلى المقعد المدرسيِّ
إلى دَفترِ الصَرْفِ والنَحْوِ: خُذني
إلى بَيْتنا، يا أبي، كي أُعدَّ دُرُوسي
ً...وأكملَ عمري رُوَيْداً رويدا
على شاطئِ البحرِ، تحتَ النخيلِ
ولا شيءَ أبْعدَ، لا شيءَ أبعَدْ

* *
مُحمَّدْ،
يُواجهُ جيشاً، بلا حَجرٍ أو شظايا
كواكب، لم يَنتبه للجدارِ ليكتُبَ
"حُريتي لن تموت"
فليستْ لَهْ، بَعدُ، حُريَّة
ليدافعَ عنها. ولا أفُقٌ لحمامةِ بابلو بيكاسو
وما زالَ يُولَدُ، ما زالَ
يُولدَ في اسمٍ يُحمِّله لَعْنةَ الاسم. كمْ
مرةً سوفَ يُولدُ من نفسهِ وَلداً
ناقصاً بَلداً... ناقصاً موعداً للطفولة
أين سيحلَمُ لو جاءهُُ الحلمُ
والأرضُ جُرْح... ومَعْبدْ

* *
مُحمَّدْ،
يرى موتَهُ قادِماً لا محالةَ. لكنَّهُ
يتذكرُ فهداً رآهُ على شاشةِ التلفزيون،
ً.فهداً قوياً يُحاصرُ ظبياً رضيعا
وحينَ
دنا مِنهُ شمَّ الحليبَ،
ُ.فلم يفترِسه
كأنَّ الحليبَ يُروِّضُ وحشَ الفلاةِ
إذنْ، سوفَ أنجو - يقول الصبيُّ -
ويبكي: فإنَّ حياتي هُناك مخبأة
في خزانةِ أمي، سأنجو... واشهدْ

* *
مُحمَّدْ،
ملاكٌ فقيرٌ على قابِ قوسينِ مِنْ
بندقيةِ صيَّادة البارِدِ الدمِ
من
ساعةٍ ترصدُ الكاميرا حركاتِ الصبي
الذي يتوحَّدُ في ظلِّه
وجهُهُ، كالضُحى، واضح
قلبُه، مثل تُفاحة، واضح
وأصابعُه العَشْرُ، كالشمعِ، واضحة
والندى فوقَ سروالهِ واضح
كان في وسعِ صيَّادٍهٍ أن يُفكِّر بالأمرِ
ثانيةً، ويقولَ : سـأتركُهُ ريثما يتهجَّى
فلسطينهُ دون ما خطأ